الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: .من أقوال المفسرين: .قال الماوردي: .قال الفخر: فالأول: معناهما واحد، وهما لغتان: كالجهد والجهد، والوجد والوجد، والضعف والضعف. والثاني: أن الفتح لغة تهامة والحجاز والضم لغة نجد. والثالث: أنه بالفتح مصدر وبالضم اسم. والرابع: وهو قول الفرّاء أنه بالفتح الجراحة بعينها وبالضم ألم الجراحة. والخامس: قال ابن مقسم: هما لغتان إلا أن المفتوحة توهم أنها جمع قرحة. اهـ. .قال الطبري: وكان بعض أهل العربية يزعُمُ أن القَرح والقُرح لغتان بمعنى واحد. والمعروف عند أهل العلم بكلام العرب ما قلنا. اهـ. .قال ابن عطية: .قال الفخر: أحدهما: إن يمسسكم قرح يوم أحد فقد مسهم يوم بدر، وهو كقوله تعالى: {أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أنى هذا} [آل عمران: 165]. والثاني: أن الكفار قد نالهم يوم أحد مثل ما نالكم من الجرح والقتل، لأنه قتل منهم نيف وعشرون رجلا، وقتل صاحب لوائهم والجراحات كثرت فيهم وعقر عامة خيلهم بالنبل، وقد كانت الهزيمة عليهم في أول النهار. اهـ. .قال ابن عاشور: تسلية عمَّا أصاب المسلمين يوم أُحُد من الهزيمة بأن ذلك غير عجيب في الحرب، إذ لا يخلو جيش من أن يغلب في بعض مواقع الحرب، وقد سبق أنّ العدوّ غُلب. والمسّ هنا الإصابة كقوله في سورة [البقرة: 214] {مستهم البأساء والضراء} والقَرح بفتح القاف في لغة قريش الجرح، وبضمِّها في لغة غيرهم، وقرأه الجمهور: بفتح القاف، وقرأه حمزة والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وخلف: بضمّ القاف، وهو هنا مستعمل في غير حقيقته، بل هو استعارة للهزيمة الَّتي أصابتهم، فإنّ الهزيمة تشبّه بالثلمة وبالانكسار، فشبّهت هنا بالقرح حين يصيب الجسد، ولا يصحّ أن يراد به الحقيقة لأنّ الجراح الَّتي تصيب الجيش لا يعبأ بها إذا كان معها النصر، فلا شكّ أنّ التسلية وقعت عمّا أصابهم من الهزيمة. والقوم هم مشركو مكة ومن معهم. والمعنى إن هُزِمتم يوم أُحُد فقد هزم المشركون يوم بدر وكنتم كفافًا. ولذلك أعقبه بقوله: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}. والتَّعبير عمَّا أصاب المسلمين بصيغة المضارع في {يمسسكم} لقُربه من زمن الحال، وعمّا أصاب المشركين بصيغة الماضِي لبعده لأنَّه حصل يوم بدر. فقوله: {فقد مس القوم قرح} ليس هو جواب الشرط في المعنى ولكنّه دليل عليه أغنى عنه على طريقة الإيجاز، والمعنى: إن يمسكم قرح فلا تحْزنوا أو فلا تهنوا وهَنًا بالشكّ في وعد الله بنصر دينه إذ قد مسّ القومَ قرح مثله فلم تكونوا مهزومين ولكنّكم كنتم كفافًا، وذلك بالنِّسبة لقلّة المؤمنين نصر مبين. وهذه المقابلة بما أصاب العدوّ يوم بدر تعيِّن أن يكون الكلام تسلية وليس إعلامًا بالعقوبة كما قاله جمع من المفسّرين. وقد سأل هرقل أبا سفيان: كيف كان قتالكم له قال الحرب بيننا سِجَال يَنَالُ مِنَّا وننال منه، فقال هرقل: وكذلك الرسل تبتلَى وتكون لهم العاقبة. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس}: .قال الفخر: واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى تارة ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين وذلك لأن نصرة الله منصب شريف وإعزاز عظيم، فلا يليق بالكافر، بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين والفائدة فيه من وجوه: الأول: أنه تعالى لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان، وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله. والثاني: أن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي، فيكون عند الله تشديد المحنة عليه في الدنيا أدبًا له وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبا من الله عليه. والثالث: وهو أن لذات الدنيا وآلامها غير باقية وأحوالها غير مستمرة، وإنما تحصل السعادات المستمرة في دار الآخرة، ولذلك فإنه تعالى يميت بعد الاحياء، ويسقم بعد الصحة، فاذا حسن ذلك فلم لا يحسن أن يبدل السراء بالضراء، والقدرة بالعجز، وروي أن أبا سفيان صعد الجبل يوم أحد ثم قال: أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب، فقال عمر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وها أنا عمر، فقال أبو سفيان: يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال، فقال عمر رضي الله عنه لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فقال: إن كان كما تزعمون، فقد خبنا إذن وخسرنا. اهـ. .قال ابن عاشور: و{الأيَّام} يجوز أن تكون جمع يوم مراد به يوم الحرب، كقولهم: يوم بدر ويوم بُعاث ويوم الشَّعْثَمَيْن، ومنه أيّام العرب، ويجوز أن يكون أطلق على الزّمان كقول طرفة: أي الأزمان. اهـ. .قال القرطبي: والضم والفتح فيه لغتان عن الكسائي والأخفش؛ مثل عَقْر وعُقْر. الفراء: هو بالفتح الجُرح، وبالضم ألَمُه. والمعنى: إن يمسسكم يوم أُحُدٍ قَرْح فقد مَسّ القوم يوم بَدْرٍ قَرْح مثله. وقرأ محمد بن السَّمَيْقَع {قرح} بفتح القاف والراء على المصدر. {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس} قيل: هذا في الحرب، تكون مرة للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليَهم ويُمَحِّصَ ذنوبهم؛ فأما إذا لم يَعْصوا فإنّ حزب الله هم الغالبون. وقيل: {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ} من فَرَح وَغمّ وصحّةِ وسُقْم وغِنًى وفقْرٍ. والدُّولَةُ الكَرَّة؛ قال الشاعر: قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الله الذين آمَنُواْ} معناه، وإنما كانت هذه المدَاولَةُ ليُرَى المؤمنُ من المنافق فيُمَيَّز بعضُهم من بعض؛ كما قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجمعَانِ فَبِإذْنِ الله وَلِيَعْلَم المُؤْمِنِينَ ولِيَعْلَم الّذينَ نَافَقُوا}. وقيل: ليعلَم صبر المؤمنين، العلمَ الذي يقع عليه الجزاء كما علمه غَيْبًا قبل أن كَلّفَهم. وقد تقدّم في البقرة هذا المعنى. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الله الذين ءامَنُواْ}: .قال الفخر: .قال السمرقندي: وهذا كما روي عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: إن الذهب والفضة يختبران بالنار، والمؤمن يختبر بالبلايا، والاختبار من الله تعالى إظهار ما علم منه من قبل فذلك قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الله الذين ءامَنُواْ} يعني ليبين لهم الله الذي يعلم إيمانه، لأنه يعطى الثواب بما يظهر منه لا بما يعلم منه، وكذلك العقوبة. أَلاَ ترى أنه عَلِم من إبليس المعصية في المستقبل ثم لم يلعنه ما لم يظهر منه. اهـ. .قال أبو السعود: وإطلاقُ الإيمان مع أن المرادَ هو الرسوخُ والإخلاصُ فيه للإيذان بأن اسمَ الإيمان لا ينطلق على غيره، والالتفاتُ إلى الغَيبة بإسناده إلى اسم الذاتِ المستجمِعِ للصفات لتربية المهابةِ والإشعارِ بأن صدورَ كلِّ واحدٍ مما يُذكر بصدد التعليلِ من أفعاله تعالى باعتبار منشإٍ معيّنٍ من صفاته تعالى مغايرٌ لمنشإ الآخَر، والجملةُ علةٌ لما هو فردٌ من أفراد مُطلقِ المداولةِ التي نطقَ بها قوله تعالى: {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس}. اهـ. .قال الفخر: أجاب المتكلمون عنه: بأن الدلائل العقلية دلت على أنه تعالى يعلم الحوادث قبل وقوعها، فثبت أن التغيير في العلم محالا إلا أن اطلاق لفظ العلم على المعلوم والقدرة على المقدور مجاز مشهور، يقال: هذا علم فلان والمراد معلومه، وهذه قدرة فلان والمراد مقدوره، فكل آية يشعر ظاهرها بتجدد العلم، فالمراد تجدد المعلوم. اهـ.
|